فنزويلا تعتبر واحدة من أقدم الدول المنتجة للنفط في العالم، حيث يعتمد اقتصادها بشكل كبير على “الذهب الأسود” الذي يشكل نحو 95% من عائدات صادراتها، ورغم امتلاكها لأحد أكبر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي، إلا أن الإنتاج شهد تراجعًا ملحوظًا بسبب الأزمات السياسية ونقص التمويل، مما أثر على مستقبلها الاقتصادي، حيث تتواجد مواردها النفطية في أربعة أحواض رئيسية، ومع ذلك، لا تزال البلاد تواجه تحديات كبيرة في تحويل ثرواتها إلى استقرار اقتصادي وسياسي، مما يجعل المشهد الفنزويلي معقدًا ويحتاج إلى إصلاحات جذرية.
فنزويلا تُعتبر واحدة من أقدم الدول المنتجة للنفط على مستوى العالم، والنفط ليس مجرد سلعة فيها بل هو العمود الفقري الذي بُنيت عليه أيديولوجية التنمية منذ بداية القرن العشرين.
وبحسب بيانات EBSCO، تمتلك فنزويلا واحدًا من أكبر 10 احتياطيات نفطية مؤكدة عالميًا، بالإضافة إلى أنها تحتفظ بأكبر احتياطي للغاز الطبيعي في نصف الكرة الغربي.
وفي عام 2016، شكّلت عائدات النفط حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من عائدات صادرات البلاد، مما يعكس اعتماد الاقتصاد الفنزويلي شبه الكامل على “الذهب الأسود”.
قفزة تاريخية
وبحلول عام 2008، أصبحت فنزويلا ثامن أكبر منتج صافٍ للنفط على مستوى العالم، وبحسب EBSCO، فإن الموقع الجغرافي للبلاد أتاح لها موارد غير تقليدية مثل النفط الثقيل جدًا والبيتومين، وهي موارد تُعادل تقريبًا احتياطيات العالم من النفط التقليدي.
ورغم ذلك، تراجع الإنتاج تدريجيًا بسبب نقص الصيانة ونقص التمويل، حتى وصل في عام 2023 إلى حوالي 135 ألف برميل يوميًا وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، قبل أن يُسجل تحسنًا طفيفًا في عام 2025 ليصل – وفق تقديرات محدثة – إلى متوسط يتراوح بين 750 و800 ألف برميل يوميًا بعد بعض الاستثمارات المحدودة.
فنزويلا في أوبك
وفق EBSCO، لعبت فنزويلا دورًا محوريًا في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” بصفتها عضوًا مؤسسًا.
لكن تعقيدات المشهد الطاقي في البلاد تتجاوز مجرد سرديات السوق العالمية، إذ تتشكل من شبكة طويلة من المفاوضات والصراعات والمقاومة بين الدولة وشركات النفط الأجنبية منذ بدايات القرن العشرين.
البدايات
يكشف أرشيف EBSCO أن أهم التحولات بدأت في عهد الجنرال خوان فيسينتي غوميز الذي حكم البلاد لمدة 27 عامًا، حيث تحولت فنزويلا من اقتصاد زراعي مثقل بالديون إلى ثاني أكبر منتج نفطي عالميًا.
في عام 1914، وقع أول انفجار نفطي “إل ريفينتون” في ميني غراندي، وهو الحدث الذي دشّن عصر النفط الفنزويلي.
تلاه إنشاء أول مصفاة محلية في عام 1917، مما وضع فنزويلا على قدم المساواة مع كبار المنتجين على مستوى العالم.
قوانين النفط
شهدت فنزويلا سلسلة قوانين متعاقبة أعادت تشكيل العلاقة بين الدولة وشركات النفط.
1905: قانون المناجم الأكثر ليبرالية في أمريكا اللاتينية
1920: أول قانون للهيدروكربونات رفع الضرائب وقلّص الامتيازات
1921: قانون ثانٍ حدّد الإتاوة بـ10%
1922: قانون ثالث مدّد الامتيازات إلى 40 عامًا، وشهدت البلاد ثاني أكبر انفجار نفطي في لوس باروسوس 2
1948: إقرار نظام تقاسم الأرباح 50/50
هذه القوانين، بحسب توثيق EBSCO، شكّلت جوهر علاقة “المقاومة والترابط والمساومة” بين الدولة والمستثمر الأجنبي.
التأميم
في عام 1976، تم تأميم قطاع النفط بالكامل في عهد الرئيس كارلوس أندريس بيريز، وفي عام 2006 أعلن الرئيس هوغو تشافيز رفع حصة الدولة إلى 60% في المشاريع المشتركة مع الشركات الأجنبية.
ثم جاءت “ثورة البتروكيماويات” في عام 2007 التي هدفت – وفق EBSCO – لتحويل الهيدروكربونات إلى تنمية اجتماعية وتشجيع إنتاج الأسمدة والبلاستيك ومشتقات النفط.
وتم تتويج هذه السياسة بقانون البتروكيماويات الجديد في عام 2009 الذي منح الدولة سيطرة شبه كاملة على هذا القطاع.
خريطة الأحواض النفطية
تنتشر موارد النفط والغاز في فنزويلا داخل أربعة أحواض رئيسية، وفق قاعدة بيانات EBSCO، وهي ماراكايبو، وفالكون، وباريناس-أبوري، وأورينتال.
ويغطي مجموعها 43% من مساحة البلاد، في حين أُنتج من حوض ماراكايبو وحده نحو 37 مليار برميل من النفط.
وتشير البيانات إلى أن الولايات المتحدة كانت أكبر مستورد للنفط الفنزويلي لعقود، إذ استوردت في عام 2008 وحده 1.19 مليون برميل يوميًا.
الانهيار الكبير
تؤكد EBSCO أن الاضطرابات السياسية الحادة في عهد الرئيس نيكولاس مادورو تسببت في انهيار غير مسبوق.
في عام 2017، تراجع الإنتاج بنسبة 4.98% خلال 6 أشهر فقط.
انخفض الإنتاج إلى ما دون حصة أوبك البالغة 1.972 مليون برميل يوميًا.
متوسط يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز من العام نفسه كان 1.91 مليون برميل، وهو الأدنى منذ 27 عامًا.
وفي عام 2023، تراجع الإنتاج إلى 742 ألف برميل يوميًا.
أما تقديرات 2025 فتشير إلى تحسن محدود لا يكفي لتغيير المشهد، مع بقاء الإنتاج أقل بكثير من مستويات ما قبل 2014 بسبب العقوبات ونقص التمويل.
المشهد الحالي
ورغم امتلاك أكبر احتياطي نفطي في العالم، لم تتمكن فنزويلا من تحويل هذه الثروة إلى استقرار اقتصادي أو سياسي، وتبقى البلاد اليوم محاصَرة بين ضعف البنى التحتية، وشح الاستثمارات، والعقوبات الدولية، وتآكل القدرات الإنتاجية لشركة النفط الوطنية PDVSA.
وهذا يجعل مستقبل النفط الفنزويلي مرهونًا بتغيّرات سياسية واقتصادية أعمق بكثير من مجرد إصلاحات تقنية.


تعليقات