في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، يحاول قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان تقديم نفسه كمدافع عن الشعب والوطن، لكن الواقع يكشف أن دوافعه تتعلق بالسلطة فقط، فهو يقود تحالفات تضم جماعات متطرفة تسعى لتحقيق أهداف بعيدة عن مصلحة السودان، ويظهر تناقضًا كبيرًا عندما يتحدث عن الانتقال الديمقراطي بينما ينقلب على الحكومة المدنية ويقود حربًا مدمرة، مما يجعل من الصعب تصديق ادعاءاته، فهل يمكن أن تُحمى دولة من خلال تهجير شعبها وتدمير مدنها؟ البرهان يبدو كقائد مليشيات يتوسل الشرعية، بينما تتلاشى الدعم السياسي من حوله، وبدلاً من أن يقدم رؤية مستقبلية، يبدو أنه يدفع البلاد نحو مزيد من الخراب، مما يستدعي ضرورة كتابة تاريخ السودان الحقيقي بعيدًا عن الروايات التي يروجها.
البرهان ومقالته في وول ستريت جورنال
محاولة لتزوير التاريخ
في مقاله المنشور في صحيفة وول ستريت جورنال يوم الأربعاء 26 نوفمبر، حاول قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان أن يظهر بمظهر رجل الدولة الذي يناضل من أجل الشعب والوطن، لكن ما كتبه لم يكن شهادة تاريخية بل كان محاولة واضحة لتزييف الحقائق وإعادة صياغتها حسب مصالحه.
الحقيقة المرة
الحقيقة التي يدركها السودانيون وكل من تابع الأحداث الأخيرة، هي أن البرهان لا يخوض حربه من أجل الوطن أو الانتقال الديمقراطي، بل من أجل الحفاظ على الكرسي الذي يدعمه الإخوان، حتى لو كان الثمن هو تمزيق السودان واستنزاف شعبه.
البرهان وفتح أبواب الاتفاقات
قدّم البرهان نفسه في مقاله للغرب كفاتح بوابة السودان لاتفاقات أبراهام، وأشار لإسرائيل بموافقته عليها كدليل على حسن سلوكه السياسي، لكن روايته تنهار عند أول حقيقة يتجاهلها، وهي أن تحالفه الداخلي يضم مليشيات متطرفة وإرهابية تتفاخر بمعركتها القادمة "تحرير القدس" ومحاربة إسرائيل.
تناقضات السياسة السودانية
فأي منطق سياسي يجمع بين توقيع سلام مع دولة نهارًا واحتضان مليشيات تتوعد بحرب مقدسة ضدها ليلًا؟ هذا ليس فن الممكن بل مقامرة خطيرة تُقام فوق دماء السودانيين، وتتعمق المفارقة حين يتظاهر البرهان بالاعتدال بينما يقود تحالفًا نادر المثال يضم مليشيات سنية متطرفة وكتائب إخوانية لفظها الشارع وجماعات متشددة تتلقى دعمًا مباشرًا من الحرس الثوري الإيراني.
التزامه بالانتقال الديمقراطي
يسهب البرهان في الحديث عن التزامه بالانتقال الديمقراطي، رافعًا راية الإصلاح وكأنه قائد ثوري، لكن تاريخه يناقض أقواله، ألم ينقلب على الحكومة المدنية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر 2021؟ تلك الحكومة كانت آخر أمل للسودان نحو مستقبل أفضل، وها هو اليوم يقود حربًا تحرق المدن وتشرد الملايين، ثم يزعم أنها حرب "من أجل الدولة"، فأي دولة تُحمى بتهجير شعبها وتدمير عمرانها؟
طلب الدعم الخارجي
بينما يروّج إعلامه لأسطورة "العدوان الخارجي"، يستمر البرهان في طلب الدعم من الجهات التي يدعي أنه يواجهها، يتجول بين العواصم، ويرسل الوفود سرًا وعلانية، مستعطفًا أي جهة تمده بمال أو سلاح أو شرعية، فالحرب بالنسبة له ليست دفاعًا عن الوطن بل وسيلة لتمديد عمر سلطة يعلم أنها تتآكل.
وضعه السياسي
البرهان لا يدير دولة بل يقف فوق ركام من التناقضات، إخوان أسقطتهم ثورة الشعب، ومليشيات قبلية متناحرة، وجماعات عقائدية لا يجمع بينها مشروع، هذا التحالف يعيش بالحرب ويموت إن صمتت البنادق، ولهذا فهو لا يقترب من أي حل سياسي حقيقي، لأن نهاية الحرب تعني نهاية حكمه.
دعوته لقول الحقيقة
يصل الخطاب ذروته حين يختم البرهان مقاله بالدعوة إلى "قول الحقيقة بلا رتوش"، وهي عبارة تتحول إلى نكتة سياسية عندما تصدر منه، فالحقيقة التي يتهرب منها هي أنه لم يشعل الحرب دفاعًا عن الشعب أو الوطن، بل تمهيدًا لعودة الإخوان إلى الحكم وإعادة إنتاج نظام عمر البشير بشكل أكثر قبحًا.
صورة القائد
مقاله لم يعكس صورة القائد الواثق بل كشف عن ارتباك رجل تتداعى الأرض من تحته، الهزائم تلاحقه ميدانيًا، المواقف الإقليمية تتبدل، والدعم السياسي الغربي يتلاشى، بدا أقرب إلى قائد مليشيات يتوسل شرعية مفقودة، لا قائد جيش وطني يتحدث من موقع الثبات.
الوهم السياسي
يصل الوهم قمته حين يتخيل البرهان أن مقال رأي في صحيفة غربية كفيل بمحو الذاكرة العامة، أو طمس الجرائم الموثقة، أو التستر على استخدام أسلحة كيميائية محرمة دوليًا ضد المدنيين، إنه خواء الحكم العسكري، وعندما يلتقي هذا الخواء بضيق الأيديولوجيا الإخوانية كما يحدث اليوم في السودان، لا يبقى في الأفق سوى الخراب.
مستقبل الوطن
لا يبقى للوطن عندها إلا أن يُدفع نحو ركام صامت ينتظر من يكتب تاريخه الحقيقي من بين أنقاضه، لا من بين أصابع الذين أشعلوا المأساة واحتكروا روايتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه إقرأ نيوز.


تعليقات