«بابنوسة» السودانية تحت سيطرة «الدعم السريع».. الأهمية والآثار المحتملة

«بابنوسة» السودانية تحت سيطرة «الدعم السريع».. الأهمية والآثار المحتملة

في ضوء التطورات الأخيرة في السودان، أصبحت مدينة بابنوسة ذات أهمية استراتيجية بارزة بعد أن سيطرت عليها قوات “الدعم السريع”، مما يغير المعادلة العسكرية بين الأطراف المتصارعة ويعزز من موقفها في غرب كردفان. هذه المدينة ليست فقط مركزًا تجاريًا بل أيضًا نقطة وصل حيوية تربط بين مناطق مختلفة في السودان، مما يزيد من تأثير “الدعم السريع” على الإقليم ويعزز سيطرته على دارفور. رغم الانتصارات العسكرية، يبقى الوضع السياسي معقدًا، حيث من المتوقع أن يتصلب الجيش في موقفه من المفاوضات، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويطيل أمد النزاع، في ظل الاستغلال السياسي للأزمة من قبل قادة الجيش.

تحديث الوضع العسكري في بابنوسة.

مدينة سودانية استراتيجية جديدة أصبحت تحت سيطرة قوات "الدعم السريع"، مما يخلق معادلة جديدة على الساحة العسكرية بين الأطراف المتنازعة، وفي يوم الإثنين، أعلنت قوات "الدعم السريع" أنها تمكنت من السيطرة على الفرقة 22 مشاة في مدينة "بابنوسة"، والتي تُعتبر آخر معقل للجيش في ولاية غرب كردفان.

وأفادت قوات "الدعم السريع" في بيان لها بأن الجيش السوداني نفذ هجومًا مفاجئًا على مواقع قوات "تأسيس" (الحكومة الموازية للدعم السريع) في مدينة "بابنوسة"، وأوضحت أن رد الفعل جاء انتصارًا ساحقًا حيث نجحت قوات "تأسيس" في صد الهجوم بالكامل وإفشاله، قبل أن تقوم بعملية عسكرية دقيقة أدت إلى تحرير الفرقة 22 ومدينة بابنوسة بالكامل، وأشارت إلى أن تحرير بابنوسة يمثل نقطة تحول مهمة في مواجهة الجماعات المتطرفة التي تسللت إلى بنية الجيش السوداني، ويظهر قدرة قوات "تأسيس" على حماية المدنيين ومنع البلاد من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والانقسام.

أهمية "بابنوسة"

قال المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني لموقع إقرأ نيوز إن بابنوسة تُعتبر مدينة استراتيجية لها أهمية جغرافية وتاريخية خاصة، وأشار إلى أنها تقع في عاصمة ولاية غرب كردفان، وهي واحدة من المدن المهمة التي تحتفظ بنشاط تجاري معروف منذ فترة طويلة، وتُركز فيها مجموعة متنوعة من القبائل السودانية، وأضاف أنها تُعد ملتقى طرق بين مناطق السودان المختلفة، حيث تربط دارفور بكردفان وشمال السودان بجنوبه، فضلاً عن كونها مركز رئيسي للسكك الحديدية.

وتقع بابنوسة على ارتفاع 373 مترًا فوق سطح البحر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم حوالي 697 كيلومترًا، ويبدأ منها خط السكة الحديد المتجه جنوبًا نحو "واو" في جنوب السودان، كما يمتد إليها خط السكة الحديد من تقاطع مدينة الرهد الذي يرتبط بخط آخر قادم من مدينة الأبيض، وكانت الفرقة العسكرية 22 في مدينة بابنوسة قد فقدت عدة ألوية عسكرية تابعة لها في الأشهر الأخيرة لصالح قوات "الدعم السريع"، وظلت المدينة محاصرة من جميع الجهات.

الأثر الاستراتيجي

قال ميرغني إن سيطرة "الدعم السريع" على بابنوسة ستعزز الزخم الإعلامي لانتصاراتهم، ومن الناحية الاستراتيجية ستعزز من تأمين "الدعم السريع" لسيطرته على دارفور، وستقلل من احتمالات استعادة الجيش للإقليم الغربي، وأضاف أن المناطق المحيطة ببابنوسة كلها تحت سيطرة "الدعم السريع" منذ فترة، وقد أُخليت المدينة بالكامل من السكان في الأشهر الأخيرة، ولم يتبقَ بها سوى فرقة الجيش التي سقطت اليوم، وأوضح أن هذه الفرقة كانت آخر ما تبقى للجيش في ولاية غرب كردفان، ومن الناحية الاستراتيجية ستُعطي تأمينًا إضافيًا لدارفور، حيث إن وجود الجيش في بابنوسة كان يُسهل وصوله إلى دارفور، لكن الآن الجيش ابتعد عن دارفور.

وأشار إلى أن الاتصال الجغرافي بين دارفور وكردفان، اللتين أصبحتا تحت سيطرة "الدعم السريع"، تحقق منذ فترة، وأصبح الآن آمنًا بعد فقدان الجيش آخر معاقله في غرب كردفان.

الأثر السياسي

ورغم تقدم "الدعم السريع"، توقع ميرغني أن يتصلب الجيش أكثر في الجلوس على مائدة المفاوضات لإنهاء الحرب، وذكر أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن قرار المفاوضات في يد مجلس السيادة، وبالتالي فإن التغيرات على الأرض لا تنعكس على معطياته، وأضاف أنه لو كان الجيش ومجلس السيادة يرغبان في التفاوض لكان من الأفضل أن يبدآه قبل سقوط بابنوسة المحاصرة، لأن السلام أو التفاوض قد يمنعان سقوطها، أما الآن فقد يتعنتان أكثر.

وأشار إلى أن الأزمة تكمن في أن قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان يستغل موقعه السياسي والعسكري في إطالة أمد الحرب، وقال إن البرهان يعتمد خطاب التعبئة العامة، وبسقوط المدينة سيزداد من هذا التوجه، وأعتقد أن التقديرات السياسية تحكم قراره أكثر من الإنسانية المتدهورة جدًا.

وشدد على أن الوضع العسكري ليس له علاقة باتخاذ قرار السلام، لكن التقديرات السياسية تحكم أمر البرهان، فهو يستفيد من موقعه المزدوج لتمرير مواقف سياسية تتناقض مع التقديرات العسكرية، وإظهار الأمر كما لو أن من يقف ضد قراراته بعدم المضي قدمًا في السلام كمن يقف ضد الجيش، أي شخص يطالب بالسلام يُتهم بأنه ضد الجيش.

وقال إن التقديرات السياسية هنا مرتبطة بمسألة الترتيبات التالية لإيقاف الحرب أو اليوم التالي بعد الحرب، الآن تحكم عملية السلام والحرب سؤال: ماذا سيحدث بعد إيقاف الحرب؟، وأضاف أن استمرار الحرب يضمن إقصاء أكبر قدر من القوى السياسية واحتكار السلطة بعدها، فالحرب في أساسها ذريعة لعودة الإسلامويين إلى السلطة كونهم الظهير السياسي الذي يدعم البرهان، ولا يوجد لديه ظهير سوى الإسلامويين، وهم يملكون القدرة على التأثير عليه وعلى الحكومة ومجلس السيادة، وبالتالي الأمر متصل بتقديراتهم السياسية لما بعد الحرب

Google News تابعوا آخر أخبار إقرأ نيوز عبر Google News
تيليجرام انضم لقناة إقرأ نيوزعلى تيليجرام