في لبنان، تبرز د شادن دياب ككاتبة متميزة تسلط الضوء على موضوعات عميقة تتعلق بالصوفية والروحانية من خلال عملها «روضة العشاق» حيث تستعرض الصراع الذي يواجهه المتصوفة بين السمو الروحي والقيود المفروضة عليهم تعكس الرواية تجاربهم الإنسانية ومعاناتهم في البحث عن الحقيقة والحرية في عالم مليء بالتحديات وتتناول كيف تؤثر هذه القيود على مسيرتهم الروحية وتجعلهم يتنقلون بين عالمين مختلفين مما يضيف عمقاً إلى شخصياتهم ويجعل القارئ يتفاعل مع مشاعرهم وأفكارهم بشكل أعمق من خلال سردها المميز والمتأمل في جوهر الروح الإنسانية.

ميكيل أنجلو والفن كمعجزة

كان ميكيل أنجلو يقول: «رأيت الملاك في الرخام، ولم أتوقف حتى حررته»، هذه العبارة تلخص المعجزة التي يتمتع بها الفنان، حيث يرى ما لا يراه الآخرون، ثم يخلق منه شيئًا فنيًا مدهشًا، الفن ليس مجرد حرفة، بل هو فعل إلهام، يكشف عن الروح التي تختبئ داخل الحجر أو اللون، وتعد هذه الرؤية انعكاسًا للجمال الإلهي، الذي يظهر في كل أشكال الفن.

المسرحية التونسية "روضة العشاق"

تجسد المسرحية التونسية "روضة العشاق" هذه المفاهيم الفنية، حيث كتبها وأخرجها معز العاشوري، وحصلت على جائزة أفضل إخراج في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، تسعى المسرحية إلى معالجة قضايا إنسانية وفكرية من خلال لغة مسرحية جمالية تعتمد على الشعر والصورة، تدور أحداثها حول مجموعة من المريدين الذين يمارسون تمارين صوفية تحت إشراف "المريد الصادق"، إلا أنهم يتعرضون للاعتقال بتهمة إثارة الفتنة، مما يثير غليانًا شعبيًا، ويتحول هذا الاعتقال إلى تجربة روحية جماعية تُعتبر تهديدًا للمنظومة الاجتماعية القائمة.

العرض المسرحي «روضة العشاق»

تأثير الشعر الصوفي على الفن المعاصر

تستند "روضة العشاق" إلى مقاطع شعرية من التراث الصوفي، مثل "ذكر الأولياء" لفريد الدين العطار، وتوظف هذه المقاطع كعناصر شعرية تضيف بُعدًا جمالياً للعمل، حيث يتحول الشعر إلى طقس جماعي، مما يسمح بتبادل المشاعر بين المؤدي والمستمع، وهذا يبرز أهمية العلاقة بين المطرب والكلمات التي يفسرها، وهو ما يُعتبر جوهر الطرب.

تظهر الدراسات أن الشعر الصوفي أثر بشكل كبير على الشعراء العرب، سواء في العصور القديمة أو المعاصرة، حيث استفاد العديد من الشعراء من الأساليب الشعرية للصوفية، مثل نزار قباني وأدونيس، مما يعكس كيف يمكن للفن أن يكون جسرًا بين التجربة الروحية المحلية والعالمية، ويظهر كيف أن التصوف يحمل معارف جمالية وروحية تجمع بين الفكر والروحانية.

الفن كحل لأزمة التعبير

تقدم "روضة العشاق" معالجة مبتكرة للشعر الصوفي، مستخدمة تقنيات بصرية ودرامية حديثة تمزج بين التراث والمعاصرة، حيث تُطرح تساؤلات حول كيفية استخدام الفن لتقديم حلول لأزمة التعبير الإنساني في عالم مليء بالتحديات، وفي هذا السياق، تتحول الطقوس الصوفية إلى مادة درامية وسينوغرافية تعكس عمق التجربة الروحية، مما يجعل المسرح فضاءً للذكر والإنشاد، ومكانًا يلتقي فيه التراث بالابتكار.

في النهاية، يبقى الجمال هو الخيط الذي يصل الأرض بالسماء، والفن الصوفي المعاصر، كما تجسده "روضة العشاق"، يُظهر كيف يمكن دمج عناصر الصوفية مع لغة عالمية، مما يخلق تجربة جماعية متجددة تصل إلى الجمهور في كل أنحاء العالم.