في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها المؤسسات الأوروبية، أظهرت وكالة الفضاء الأوروبية قوة جديدة بميزانية قياسية غير مسبوقة، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا في موازين القوى الفضائية. ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في القارة، تسرع خطواتها نحو الريادة، مما يهدد النفوذ الفرنسي التاريخي. هذه الزيادة التاريخية في الميزانية بنسبة 30% تمهد الطريق لمشاريع استكشاف جديدة، مثل إرسال رواد فضاء أوروبيين إلى القمر، مما يعيد رسم خريطة القوة الفضائية في أوروبا. تتجه الأنظار الآن نحو ألمانيا، التي ستقود هذا السباق، مما يجعلها في موقع قوة في مواجهة القوى العالمية الأخرى.
ميزانية وكالة الفضاء الأوروبية: قفزة استراتيجية جديدة
ضغوط اقتصادية عالمية
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها المؤسسات الأوروبية والدول حول العالم، حيث تزايدت القيود على الإنفاق العام، قامت وكالة الفضاء الأوروبية بإعلان مفاجأة تاريخية تتمثل في ميزانية قياسية غير مسبوقة، هذه الميزانية تمثل قفزة استراتيجية قد تغير موازين القوى في الفضاء الأوروبي.
ألمانيا تتقدم بخطوات سريعة
وفقًا لمحطة "بي.إف.م" الفرنسية، قررت ألمانيا، الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في القارة، أن تسير بخطوات سريعة نحو الريادة في مجال الفضاء، حتى لو كان ذلك على حساب النفوذ الفرنسي التقليدي في هذا المجال، هذا التحول المالي الضخم يعيد رسم خريطة القوة الفضائية في أوروبا، ويفتح آفاقًا جديدة ستؤثر على جميع مشاريع الاستكشاف، خاصة المهمة المرتقبة لإرسال أول رواد فضاء أوروبيين إلى القمر، الذين سيكون من بينهم ألماني وفرنسي وإيطالي.
المنافسة الفضائية الأوروبية
خلال العقدين الماضيين، كانت المنافسة في الفضاء مقتصرة تقريبًا على واشنطن وبكين، ومع ذلك، أرادت أوروبا، رغم تأخرها تقنيًا في بعض المجالات، أن تثبت وجودها من خلال مشروع إرسال رواد فضاء أوروبيين إلى القمر لأول مرة في التاريخ، ورغم أن وكالة الفضاء الأوروبية أعلنت أن أول ثلاث شخصيات أوروبية ستسير على سطح القمر ستكون من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، فإن الأولوية كانت بلا تردد للرائد الألماني، مما يعكس التغيرات المالية والسياسية الجديدة في أوروبا.
زيادة تاريخية في الميزانية
أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية عن زيادة تاريخية في ميزانيتها بنسبة 30% (17% بعد احتساب التضخم) للفترة ما بين 2026 و2028، لتصل إلى 22.07 مليار يورو، وهي أكبر زيادة منذ تأسيس الوكالة، مما يعزز من موقع ESA وقدرتها التنافسية أمام القوى الفضائية الصاعدة، ومن بين القطاعات المستفيدة، قطاع النقل الفضائي، الذي شهد زيادة في ميزانيته بنسبة 57% في محاولة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، الذي تأثر بشكل كبير بعد وقف التعاون مع وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس" بسبب الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى التأخيرات المتكررة في إطلاق صاروخ "أريان 6"، الذي يُعتبر المشروع الأوروبي الأضخم في هذا المجال.
إعادة بناء الاستقلالية الفضائية
تعتبر هذه الخطوة محاولة أوروبية لتعويض فقدان الاعتماد على روسيا وإعادة بناء استقلالية فضائية كاملة، ورغم أن معظم الدول الأوروبية رفعت مساهماتها، باستثناء رومانيا والسويد والمملكة المتحدة، فإن دولًا مثل إسبانيا وبولندا اختارت مضاعفة تمويلها، ومع ذلك، يبقى الدور الألماني هو الأبرز، حيث قررت برلين زيادة مساهمتها بنسبة 45% مقارنة بعام 2022، لتصل إلى 5 مليارات يورو، متجاوزة بذلك فرنسا (3.6 مليار يورو) وإيطاليا (3.5 مليار يورو).
القيادة الألمانية في الفضاء الأوروبي
تجعل هذه الأرقام ألمانيا القائد الفعلي لمستقبل الفضاء الأوروبي، وتفسر اختيار ESA لرائد فضاء ألماني ليكون أول أوروبي يخطو على القمر، كما يعكس القرار الألماني رغبة واضحة في إثبات ريادة جديدة بعد سنوات من الركود الصناعي في بعض القطاعات، لطالما اعتبرت فرنسا القوة الفضائية الأولى في أوروبا بفضل برنامجها الصاروخي "أريان"، وقاعدة إطلاق كورو في غويانا الفرنسية، ومساهمتها التاريخية في ESA، لكنها اليوم تواجه منافسًا قويًا يتمتع باقتصاد أقوى وميزانية أكبر ورغبة سياسية أعمق في إعادة بناء حضور فضائي عالمي.
استعداد أوروبا لمرحلة جديدة
من الواضح أن أوروبا تستعد لمرحلة استراتيجية مختلفة تمامًا، حيث تتسارع المنافسة بين القوى الكبرى (أميركا – الصين – الهند – القطاع الخاص)، وتتعاظم أهمية الاستقلالية في الإطلاق الفضائي، أصبح سباق القمر محورًا رئيسيًا للنفوذ السياسي والعلمي، وفي هذا السياق، ترغب ألمانيا في أن تكون في المقدمة لا مجرد شريك.
مكافأة الدعم المالي
إذا كانت وكالة الفضاء الأوروبية قد اختارت رائد الفضاء الألماني ليكون أول أوروبي يمشي على القمر، فإن كثيرين يرون في هذا القرار "مكافأة" على الدعم المالي القياسي الذي قدمته برلين، كما يقول المثل الفرنسي: "الاعتراف للبطن"، أي لمن يدفع أكثر.


تعليقات